أخبار الأدب والثقاقة
""..... لا زالت الصفحات بيضاء، والمسافة بين الخطوة والطريق طويلة كمسافات الليل المتناهية. لم تأتي الكلمات . . . لم تنبعث الحروف، يبقى القلم صامتا، يمتص الجفاف أنينه فلا ينطق ولا يخترق المدى. الليل غارق بصمته وعيناي شاخصتان تحدقان بالأوراق في فراغ المسافة ، كم مضى من العمر؟ ليس مهما أن نعرف ، تعالوا معي لنضيء المصباح ونقلب صفحات أوراق العمر قبل أن تسحقنا برحيلها، حينئذ نكون أغبياء لأننا بأيدينا نغتال الحب والفرح من حياتنا فنبكي على كل لحظة ضاعت من عمرنا. "
*حسين

رمضان والناس والتلفزيون

مع  قدوم رمضان كل عام يعقد الإعلام المرئيّ العربي العزم ألا يفوِّت الفرصة لاستغلاله تجاريا ، بل أصبح الإعلام العربي - في أغلبه ألا يجعلوا الأعين تطرف بعناوين مثيرة مثل: "رهان الفضائيات على شاشة رمضان"، "الشاشات المصرية لكبار نجوم "الصف الاول" والأعمال التليفزيونية السورية حاضرة بقوة في رمضان، والقنوات العراقية تعرض عشر مسلسلات يوميًّا في رمضان". والقنوات الخليجية تعرض عشرات المسلسلات الأجنبية المدبلجة وبرامج المسابقات التي تتخللها الاعلانات التجارية و...و..و.. وكذلك القنوات الغنائية التي لا تنام في رمضان" - " والكليبات الغبر ملتزمة تنتشر" - "وفي مصر ، برلمانيون مصريون يطالبون بمنع الرقص والغناء في الخيم الرمضانية.في رمضان تصفد الشياطين، ولكن هناك " شياطين" من الإنس لا قيد لهم ولا شرط، يأتي رمضان ومعه الرحمات، ولكن وجدنا من لا يريد أن يهنأ الصائم القائم بالسكينة، فقد صام عن الطعام والشراب وما صامت جوارحه عن المعصية التي تعرض عليه ليلاً ونهارًا، وهو يقضي الليل قائمًا لا ليتبتل لله ، بل مشدودًا بما يطرحه التلفزيون من برامج المنوعات والرقصات، وخيام رمضانية تعرض الجسد العاري والكلمة العارية وتزيين الرذائل، وفي نهاية القائمة نجد مسلسلاً يدخل وسط الزحام في قناة من القنوات، يظل المشاهد يبحث عنه وعن وقت البث حتى يملَّ فيغلق التلفزيون طواعية؛ لأنه لا يريد إفساد صيامه بعد أن ضل الطريق،
القنوات التي تحمل الهمّ الديني والانساني، والتي يجب ان تكون قنوات ارشاد لهذه الأمة، والتي تحفظ للمؤمن عبادته وسلوكه لطريق الهُدى والخير ومحبة الناس، و التي افتقدناها في الحياة العامة، فيها بعض برامج لدعاة معروفين وغير معروفين، هدفها افساد الدبن والتلاعب بالقيم وتعزف على الوتر الطائفي.
أما أصحاب الوعي في هذه الأمة حذروا من "علمنة رمضان"، حيث ارتبط الشهر الكريم في ذاكرة الأمة بالانتصارات والعزة والكرامة فهو شهر الملاحم، والارتباط بين الصيام والصبر في معارك الأمة، ولكن الإعلام العربي المفسد عمل على تفتيت الارتباط الحيوي بين الشهر الكريم وعظمة الأمّة.
وما بين الواقع المر والرغبات ، نجد البعض جرد هذا الشهر من محتواه؛ فالإعلام "إثم كبير للناس ومنافع للتجار "؛ حيث يفرض علينا من خلال شاشات التليفزيون إعلانات تجارية و"مشاهد ساخنة"، أو مصطلحات إباحية عبر أغنية أو "حوار ساخن" أو في "فيلم سينمائي" أو مشهد درامي يحمل "إيحاءات جنسية"، أو يفضح الجريمة، ولكن لم يستطع معالجتها إلا بإبراز العري والإغراء، بل وصل الأمر بعض الاحيان إلى المجاهرة في موقف درامي كان يمكن أن يعالج تلميحًا لا تصريحًا، فمن أجل المخدرات "باع المدمن زوجته لمن سيعطيه الهروين"، كل هذا مسئولية من؟ ومن المسئول عن صدِّ هذا السيل الجارف من الإعلام المتدني الذي يخاطب الغريزة؟
إن شهر رمضان يفقد قدسيته لدى الكثيرين فيصبح شهرًا يقدم الجديد الذي يحجب طيلة العام ثم يطلق في الشهر الكريم، لماذا؟ لأنه شهر غلاء الاسعار والاستغلال الدعائي المتميز، وكل ليالي رمضان أوقات ذروة ، وإن كانت قنوات العبث الإعلامي لا يصدها قيام ولا صيام، بل كثير من النجوم الأرضية ومنتجي المسلسلات والبرامج يشترطون العرض الرمضاني، ويختارون الأعمال التي تشكل عامل جذب للشباب والصغار، ونعجب من الشعار الذي طيرته بعض القنوات "رمضان يجمعنا"، والذي يعنون به سيل الإعلام الذي لا ينتهي على مدار الساعة، مع أن الآراء الاجتماعية وجدت أن الإعلام الترفيهي يفرِّق الأسرة؛ فلا يوجد الحوار، ويجلسون أمام المسلسلات -على اختلاف الأعمار- صامتين تركزت أعينهم على الشاشة وتقطعت العلائق بينهم، وأنصاف الواعين لا يشاهدون التلفزيون وهم صيام نهارًا!! فهم في نوم طويل؛ لأنّ مقصد الشرع من الصوم مفقود لديهم، ويفصلون بين الجوع والعطش وقول الزور والعمل به.
هجمة إذن تنتزع من النفوس هيبة الشهر الحرام والإغواء الدائم والحيل التي لا تقاوم، وحسبنا أن نعلم أن شبكات الإعلام الإباحية تشكل حسب الدراسات العربية التي أظهرت أن أكثر من 92% من الدراما والأفلام العربية تركّز على العلاقات غير الشرعية وتبررها!!
للأسف الشديد ليس في الإعلام العربي مراعاة للمراحل العمرية المختلفة فيما يقدم من فن، على باعتبار أن الفن وسيلة للإصلاح والبناء، ونعجب أن الغرب له آلية للعرض ونحن نفتقدها، كما نفتقد الرشد في ترشيد بيع السجائر للصغار، آلية عرض الأفلام في الغرب تتم حسب درجة العري للفيلم فالغربيون ـ مع ما هم فيه من بعد عن الدين والقيم ـ إلا أنهم حريصون على ألا تكون المواد الإعلامية المقدمة للطفل تحوي الجنس والعنف ، أما إعلامنا فلا توجد فيه هذه الدرجة من التحوط والحرص، فالقنوات الغربية تضع علامات قبل بث الفيلم مثل "للبالغين فقط" For Adults only أو للكبار فقط بمقدار ما فيه من مشاهد مثيرة أو عنيفة، أو توضع على الشاشة عبارة أن الفيلم غير ملائم للأطفال دون الثامنة عشرة ، ونحن لدينا موروث قيمي كبير يضع لنا المحاذير التي تقوض دعائم المجتمع الغربي.
لا بد أن يتحرك قادة ورموز المجتمع والإعلاميين والمثقفين وعلماء الاجتماع الحقيقيين وعلماء النفس وكافة المسئولين، ويبحثوا لإيجاد حلّ من الداخل بحيث تتنحي المنفعة الخاصة لتحل بدلا عنها المنفعة العامة لبناء مجمعات مدنية فعالة .
لا حول لنا إلا ان نفول " لله في خلقه شؤن "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق